ملخص:
عبير موسي محامية وسياسية تونسية ورئيسة الحزب الدستوري الحر، تقبع في السجن منذ شهر أكتوبر 2023. حيث تم إيقافها بعد توجهها إلى القصر الرئاسي مرفقة بمحامي الحزب وعدل منفذ، بهدف إيداع مطلب تظلم للطعن في قرارات رئاسة الجمهورية المتعلقة بالانتخابات المحلية. لتتهاطل فيما بعد القضايا والاتهامات نحوها، وتصبح عبير موسي ملاحقة في 6 قضايا.
المنهجية
يعتمد هذا التوثيق على منهجية تحليل قانوني وحقوقي لوقائع قضية النائبة عبير موسي، بالاستناد إلى تتبع زمني دقيق لمجمل الإجراءات القضائية والإدارية المرتبطة بها منذ بدايتها. تم اعتماد المعطيات من مصادر موثوقة، تشمل تصريحات هيئة الدفاع، الوثائق الرسمية، والمعطيات المتوفرة في الفضاء العام. تمت مقارنة الإجراءات المتخذة مع التشريعات الوطنية (وخاصة المجلة الجزائية، مجلة الإجراءات الجزائية، والدستور) ومع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ذات العلاقة بحرية التعبير، ضمانات المحاكمة العادلة، وحقوق الأشخاص المحالين أمام القضاء. كما تم التركيز على تحليل التكييف القانوني للتهم، ومدى احترام الإجراءات للضمانات الجوهرية المنصوص عليها في القانون الوطني والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية.
ظروف وأحداث الانتهاكات:
عبير موسي محامية وسياسية، ورئيسة الحزب الدستوري الحر، منذ أكتوبر 2023، وعبير موسي في السجن. بدأت سلسلة من القضايا تلاحق السياسية عبير موسي عقب إيقافها يوم 3 أكتوبر 2023، وذلك إثر توجهها إلى القصر الرئاسي بقرطاج رفقة محامي الحزب وعدل منفذ، بغرض تقديم تظلّم للطعن في قرارات رئاسة الجمهورية بشأن الانتخابات المحلية، وتحديد تراب الأقاليم، وتوزيع الدوائر، وضبط عدد المقاعد.
وبعد انتظار طويل، تم إعلامها بأن مكتب الضبط رفض قبول هذه المطالب، حيث احتجّت على ذلك الرفض غير المبرر، وقامت بتوثيقه عبر تصوير بث مباشر ونشره على صفحتها بوسائل التواصل الاجتماعي.
إثر ما جد هناك واعتراض الموظفين على الاحتجاج وتصويرهم، تم إيقاف عبير موسي واقتيادها إلى وجهة غير معلومة دون إعلامها أو إعلام محاميها بمكان الإيقاف، وبعد ساعات من البحث عنها في مراكز الشرطة القريبة من مكان الواقعة والاستفسار عن مكان تواجدها، تفطن لاحقًا محاميها أنها متواجدة في مركز شرطة حلق الوادي بمعتمدية تونس، وإثر الالتحاق بها وجدوا أنها نُقلت إلى مركز الاحتفاظ بوشوشة بعد التحقيق معها، حيث لم يتم تمكين المحامين من مقابلتها، دون إعلامهم بأي مبرر قانوني يمنع محامي من مقابلة منوبته.
يوم 4 أكتوبر، أكّد محامي ضحية الانتهاك أن منعها من مقابلة المحامين لمدة 48 ساعة غير معقول، خاصة وأن ضحية الانتهاك لم يتم إيقافها بموجب قانون مكافحة الإرهاب. كما أن التتبعات التي جرت في حقّها وقعت دون إعلام الفرع الجهوي للمحامين، في حين أن عبير موسي محامية مباشرة وفضلًا عن ذلك، فإن مرسوم المحاماة في فصله 46 ينصّ على أنه “إذا وقعت تتبعات جزائية ضدّ محامٍ، يتم إعلام رئيس الفرع الجهوي المختص بذلك حِينًا، ويُحال المحامي وجوبًا من طرف الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف على قاضي التحقيق”.
والحال أنّه حين توجه محامو ضحية الانتهاك إلى مكتب الوكيل العام، لم يكن على علم بالتتبعات التي طالت عبير موسي، ممّا يُحيل إلى أن عبير موسي كانت محلّ احتجاز دون احترام للإجراءات القانونية الواجبة.
بتاريخ 31 أكتوبر، تم ختم الأبحاث في مرحلة أولى، بناءً على تقرير اختبار قام به خبير في الجرائم الرقمية تم تعيينه لفحص محتويات هاتفها. وقد تم عرضها على هذا الخبير دون إبلاغ فريق دفاعها، رغم اعتراضها على هذا الإجراء، وفي ذلك خرق للإجراءات القانونية.
بتاريخ 29 جانفي 2024 تم ختم التحقيق في هذه القضية المتكونة من جنحتين، الأولى تتعلق بمعالجة بيانات شخصية ومعالجة معطيات شخصية دون إذن صاحبها والثانية بتعطيل حرية العمل.
حيث كشفت هيئة الدفاع عن ضحية الانتهاك في بلاغ يوم الثلاثاء 30 جانفي 2024 أنه سيتم إحالة موكلتهم على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائيّة بتونس مع إبقاء سير مفعول بطاقة الإيداع إلى حين مثولها أمام المحكمة، لكن النيابة العمومية استأنفت هذا القرار ليتم فيما بعد إحالة ضحية الانتهاك على دائرة الاتهام. وتقديم طلب استئناف الحكم أمام دائرة الاتهام، حيث قررت تأييد قرار ختم البحث وانتهاء الأبحاث. لتعيد النيابة العمومية الاعتراض وتقديم مطلب للتعقيب.
في ذات الشهر أفادت هيئة الدفاع عن عبير موسي أن هناك ملف قضائي في حق موكلتهم على معنى الفصل 24 من المرسوم 54 وذلك بعد شكاية من الهيئة ممثلة في شخص رئيسها منذ ديسمبر 2022. ليتم في 1 فيفري إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقها.
في 6 فيفري 2024، تلقت هيئة الدفاع عن ضحية الانتهاك مراسلة كتابية من المكتب الجهوي للمحامين تفيد باستدعاء الأستاذة عبير موسي من أجل لمثول أمام قاضي التحقيق يوم 13 من نفس الشهر، للنظر في قضية أخرى مرفوعة مجددة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، على معنى الفصل 24 من المرسوم عدد 54 أمام الدائرة الجنائية. وتم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقها، حيث أحيلت على الدائرة الجنائية مع رفض مطلب التعقيب، فقررت هيئة الدفاع مقاطعة الإجراءات باعتبار أن المحاكمة سياسية وغير عادلة. وطلبت الأستاذة عبير من الفرع الجهوي للمحامين بعدم بتسخير محامي، بعد أن طلبت الدائرة الجنائية ذلك، إلا إن رئيس الفرع لم يستجيب لهاذا الطلب.
يوم 21 فيفري 2024 تم النظر في الطعن المرفوع من طرف النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس ضد قرار عميد قضاة التحقيق القاضي “بتجنيح” التهم المنسوبة إلى رئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسي إثر تنقلها إلى مكتب الضبط التابع لرئاسة الجمهورية.
وهنا جاء على لسان محامي ضحية الانتهاك الأستاذ النافع العريبي، بأن النيابة طعنت في قرار لا يُمكن الطعن فيه بالتعقيب، حيث شرح ذلك استنادا إلى مضمون الفصل 259 من مجلة الإجراءات الجزائية، الذي ينصّ على أن:
“القرار الصادر عن دائرة الاتهام والقاضي بإحالة المتهم على المحكمة الجناحية أو على حاكم الناحية لا يمكن الطعن فيه لدى محكمة التعقيب…” وهو ما اعتبرته هيئة الدفاع خرقًا صارخًا لإجراءات المحاكمة العادلة، ولأحكام المجلة الجزائية.
ورغم ذلك، قبلت محكمة التعقيب مطلب النيابة، وأعادت القضية إلى دائرة اتهام جديدة، التي قررت بدورها إعادة الملف إلى قاضي التحقيق، مع إبطال قرار ختم البحث.
وبناءً على ذلك، أُحيل الملف مجددًا على خبير، وتم استنطاق الأستاذة عبير موسي من جديد، ثم أُحيلت القضية إلى الدائرة الجنائية. وقد قامت هيئة الدفاع بالتعقيب على هذا القرار أيضًا، غير أنه لم يتم تحديد موعد جلسة التعقيب إلى حد هذه اللحظة. تم تأخير الجلسة إلى تاريخ 15 ماي 2025 في مرحلة أولى ثم إلى تاريخ 15 جوان 2025 حيث أكدت ضحية الانتهاك أنها ستقوم بالطعن في قرار تسخير الخبير لدى المحكمة الإدارية.
وفي ذات اليوم مثلت اليوم ضحية الانتهاك موقوفة في قضية أخرى أمام قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس للتحقيق معها في القضية التي كانت رفعتها ضدها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على معنى أحكام الفصل 24 من المرسوم 54 والمتعلقة بتهمة نشر أخبار وإشاعات كاذبة بهدف الإضرار بالأمن العام، حيث صدرت في حقها بطاقة إيداع السجن.
في 9 جوان 2024، علمت هيئة الدفاع على ضحية الانتهاك أنه تم فتح تحقيق في حق عبير موسي في قضية قديمة أثارتها منظمة الدفاع عن المعتقدات والمقدسات في شهر أوت من سنة 2022، بناءً على الفصل 86 من مجلة الاتصالات، وقد تم استنطاقها مع الإبقاء عليها في حالة سراح.
كما تقدمت الهيئة العليا للانتخابات بشكاية جديدة موجهة إلى السياسية عبير موسي فحواها خرق الصمت الانتخابي في سنة 2019 رغم أنها لم تقم بهذا الفعل على صفحتها الشخصية وصفحة الحزب الرئيسية، بل تم خرق الصمت الانتخابي عن طريق صفحات كان قد فتحها أنصار الحزب لإجراء الدعاية الانتخابية لها.
وعلى إثر هذه الشكاية، حكمت المحكمة ابتدائيا في حقها بخطية مالية قدرها 5000 ألاف دينار ثم إثر الاستئناف في 12 جوان 2024 تم ترفيع الحكم وأصبحت الخطية قدرها 7000 دينار1.
ويوم 12 جوان 2024، حضرت عبير موسي جلسة استنطاق جديدة بخصوص المحضر الذي قام بفتحه مركز شرطة العوينة من معتمدية تونس، في شهر جوان من سنة 2023، على خلفية تحضير الحزب الدستوري الحر لوقفة احتجاجية أمام وزارة الخارجية رفضًا لاتفاقيات الهجرة مع دولة إيطاليا. وقد تم حجز معدّات الصوت الخاصة بالوقفة، رغم إعلام السلطات مسبقًا بها. وبعد استرجاع المعدّات وإنجاز الوقفة، تقدّم مركز الشرطة بفتح المحضر.
وقد قضي في شأنها خطية مالية قدرها 500 دينار في فيفري2025 ورفض مطلب التعقيب حسب ما صرح به لسان الدفاع عن ضحية الانتهاك.
في 3 فيفري 2025، أعلنت هيئة الدفاع عن رئيسة الحزب الدستوري الحر، عن مقاطعتها للدوائر الجنائية التي ستمثل أمامها موسي في قضيتي “مكتب الضبط” والقضية المرفوعة ضدها من قبل هيئة الانتخابات بناءً على المرسوم عدد 54. وأوضحت الهيئة أن هذه المقاطعة تأتي في إطار رفضها “للمسار الخاطئ واحتجاجًا على كل الخروقات التي شابت العدالة”، حسب تعبيرها.
في 14 فيفري 2025، تم نقل ضحية الانتهاك من السجن المدني بمنوبة إلى سجن بلي في نابل، وذلك بموجب قرار نقلة نُفّذ حينها دون أي مبرّر أو دافع يستوجب هذا الإجراء، إلى جانب عدم إعلام عائلة ضحية الانتهاك وهيئة الدفاع عنها بخصوص هذا الإجراء، خاصةً وأنها في وضع صحي حرج يتطلّب متابعة طبية مستمرة، والالتزام بتوصيات الطبيب حفاظًا على سلامتها الجسدية.
وفي ندوة صحفية انعقدت يوم السبت 22 مارس 2025، عضو هيئة الدفاع والقيادي في الحزب، صدور أقصى الأحكام القضائية ضد عبير موسي، معتبرًا أن المحاكمة ذات طابع سياسي. وأكد أن “الأطراف التي قامت بالتحضير لهذه المحاكمات تسعى لتسليط أقصى العقوبات ضد موسي”، مشيرًا في المقابل إلى “خلو الملف من أية وقائع تدينها”.
في 28 أفريل 2025، تم إعلام ضحية الانتهاك برفض سلطة الإشراف تمكينها من زيارة مباشرة من طرف ابنتها في سجن بلي. وقد تم إعلام المكلّفين بالأمر بعدم موافقة سلطة الإشراف على تنفيذ الإذن القضائي القاضي بتمكينها من زيارة مباشرة من طرف ابنتها، وتم إبلاغها شفاهيًا بأنّ سبب الرّفض هو أنّها محلّ اتّهام بالاعتداء على أمن الدولة، طبق الفصل 72 من المجلة الجزائية. ويُعدّ هذا القرار نوعًا من التنكيل وحرمانًا من حقوقها الأساسية، خصوصًا حقّها في زيارة عائلتها.
في 26 ماي 2025، يتواصل احتجاز ضحية الانتهاك دون وجود بطاقة إيداع سارية المفعول، حيث إن بطاقات الإيداع الصادرة في تاريخ 05 أكتوبر 2023، و21 فيفري 2024 قد انتهى مفعولها بقوة القانون بتاريخ بت دائرتي الاتهام المتعهدين بالقضايا السابق ذكرها. وفقا لما أكدته هيئة الدفاع عنها وتبعا لذلك ليس للإدارة السجنية أي أذون أخرى نافذة تخول لها مواصلة احتجاز ضحية الانتهاك وهو ما يجعل تواجد عبير موسي في السجن خارج كل سند قانوني.
انتهاكات حقوق الإنسان:
تعرّضت عبير موسي، المحامية والسياسية، ورئيسة الحزب الدستوري الحر، منذ تاريخ إيقافها يوم 3 أكتوبر 2023، إلى سلسلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، سواء أثناء الإيقاف أو خلال فترة الاحتجاز والمحاكمة، وذلك في تجاوز واضح للمعايير الوطنية والدولية المتعلقة بالمحاكمة العادلة وضمانات الاحتجاز.
فضلًا عن محاكمتها باستعمال نصوص مقيّدة لحرية التعبير، مثل المرسوم عدد 54، الذي ما انفكّت السلطات تستخدمه ضدّ السياسيين بهدف سجنهم وإبعادهم عن الحياة السياسية.
إذ يُعدّ الاحتجاز التعسفي من أبرز الانتهاكات التي تواجهها عبير موسي، حيث عبّرت هيئة الدفاع عنها أنه في 26 ماي 2025، تم التأكد من تواصل احتجاز عبير موسي دون وجود بطاقة إيداع سارية، بعد انتهاء مفعول البطاقات السابقة، وهو ما يجعل تواصل احتجازها غير قانوني، في ضرب للالتزامات الدولية للدولة التونسية وخرق لما نصّت عليه المواثيق الدولية.
حيث جاء في المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لكلّ فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه. لا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفًا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينصّ عليها القانون وطبقًا للإجراء المقرّر فيه. فضلًا عن المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على لكل فرد الحق في الحياة، والحرية، وسلامة شخصه.”
كما تؤكّد هيئة الدفاع عن عبير موسي أن تواجدها داخل السجن دون وجود بطاقة نافذة يشكّل جريمة احتجاز غير قانوني طبقًا لأحكام الفصل 250 من المجلة الجزائية، وأن هذا الفصل يُسحب نطاقه على كل سلطة تستمر في سجن شخص دون سند قانوني.
كما تُعزّز قرارات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هذا الموقف، حيث اعتبرت أن الإبقاء على الأشخاص دون إذن إيقاف مُحدث وصريح يشكل انتهاكًا للمادة 9 من العهد الدولي المذكور.
كما تمثّل عملية إيقافها في 3 أكتوبر 2024 انتهاكًا صارخًا لجملة من الحقوق المدنية والسياسية المكفولة بموجب الدستور التونسي والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية. فإن إيقافها تم إثر قيامها بنشاط سياسي سلمي تمثّل في التوجّه إلى القصر الرئاسي رفقة محامي الحزب وعدل منفذ لإيداع مطلب تظلّم بخصوص قرارات رئاسة الجمهورية المتعلقة بالانتخابات المحلية.
تمّ ذلك دون توجيه تهم واضحة في البداية، وفي غياب تام لاحترام الضمانات القانونية الدنيا، كعدم إعلامها بالتهم الموجهة إليها، وعدم تمكينها من الاتصال بمحاميها، واحتجازها لساعات دون الإعلام بمكان تواجدها، ما يشكّل خرقًا للفصل الخامس والثلاثين من الدستور:
“لا يمكن إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلاّ في حالة التلبّس أو بقرار قضائي، ويُعلَم فورًا بحقوقه وبالتّهمة المنسوبة إليه، وله أن ينيب محاميًا. وتحدّد مدّة الإيقاف والاحتفاظ بقانون.“
فضلًا عن مخالفة الإجراءات التي يخضع لها المحامون عند إثارة أي تتبّع قضائي ضدهم، وهو ما يمثّل إخلالًا بضمانات المحاكمة العادلة. وتندرج هذه الممارسات ضمن الاحتجاز التعسفي، بما يخالف المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على ضرورة إعلام المحتجز بأسباب توقيفه والتهم الموجّهة إليه، ومنع الاعتقال دون سند قانوني واضح.
ما يكشف عن انحراف خطير في استعمال القانون لتقييد الحريات وتكميم الأصوات السياسية المعارضة.
تعرّضت السيدة عبير موسي، خلال فترة إيقافها، إلى منع متكرّر من الزيارة من قبل هيئة دفاعها وأفراد عائلتها، بمن فيهم أطفالها، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقها في الدفاع ويمسّ بحقوقها الأساسية كمحتجزة.
ويُشكّل هذا المنع إخلالًا بأحكام الفصل المئة والرابع والعشرون – لكلّ شخص الحقّ في محاكمة عادلة في أجل معقول. والمتقاضون متساوون أمام القضاء.
كما يُخالف هذا أيضًا الفقرة (ب) من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن للمتهم’’ الوقت والتسهيلات الكافية لإعداد دفاعه والاتصال بمحامٍ يختاره. وهو ما يُعتبر تطبيقًا جوهريًا لمبدأ تكافؤ وسائل الدفاع أما على المستوى الإنساني والحقوقي، فإن منع أطفال السيدة موسي من زيارتها يُمثّل انتهاكًا لحق الطفل في التواصل مع والديه، ويقوّض مبدأ الحفاظ على تماسك الأسرة، بما يتعارض مع المصلحة الفضلى للطفل، وهي قاعدة معترف بها دوليًا. وينصّ الفصل 33 من القانون عدد 52 لسنة 2001 المتعلق بنظام السجون على أن للأقرباء من الدرجة الأولى الحق في زيارة المسجون ضمن أوقات محددة. كما تؤكد المادة 9 من اتفاقية حقوق الطفل على أن للطفل الذي انفصل عن أحد والديه أو كليهما، الحق في الحفاظ على علاقات شخصية واتصالات مباشرة ومنتظمة مع كليهما، إلا إذا تعارض ذلك مع مصلحته الفضلى.” إن منع الزيارة في مثل هذه الظروف لا يُعدّ فقط إجراءً إداريًا متعسفًا، بل هو مسّ مباشر بحقوق الدفاع، واعتداء على الأبعاد الأسرية، والإنسانية المكفولة، وطنيًا، ودوليًا.
إلى جانب ما تخلل محاكمة ضحية الانتهاك من انتهاكات وتعسف في تأويل القانون وتطويعه من أجل الإبقاء عليها داخل السجن فإن وضعيتها داخل السجن لم تخل من تواصل انتهاكات حقوق الإنسان.
إذ تعاني عبير موسي من مشاكل صحية مزمنة على مستوى العمود الفقري، وقد سعت مرارًا للحصول على العلاج اللازم الذي أوصى به طبيبها، إلا أن تجاوب إدارة السجن كان محدودًا، حيث تم تمكينها من العلاج لفترة لم تتجاوز الشهر، ثم تم نقلها إلى سجن بلّي بنابل دون مبررات طبية أو قانونية واضحة. منذ هذه النقلة، انقطع توفير الرعاية الطبية اللازمة، مما تسبب في تدهور حالتها الصحية وتفاقم الآلام التي تعاني منها، بالإضافة إلى انعكاسات سلبية خطيرة على صحتها النفسية.
هذا الإخلال يخرق المعايير الدولية المتعلقة بمعاملة السجناء، وفي مقدّمتها قواعد نيلسون مانديلا التي تنص في مادتها 24 على ضرورة توفير الرعاية الصحية للسجناء بنفس المستوى المتاح في المجتمع، بما يشمل المتابعة المستمرة والتخصصية. كما يخرق ذلك المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تؤكد على وجوب معاملة كل الأشخاص المحرومين من حريتهم بطريقة إنسانية تحفظ كرامتهم. ويعتبر حرمان عبير موسي من العلاج انتهاكًا واضحًا لهذه المعايير، وخرقًا لحقها في الصحة المكفول أيضًا في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 12)، مما يحمّل الدولة التونسية مسؤولية قانونية وأخلاقية عاجلة.
المصادر:
الاطلاع على المقالات المنشورة المتعلقة بوضعية ضحية الانتهاك.
مقابلة مباشرة مع الأستاذ النافع العريبي محامي ضحية الانتهاك عبير موسي بتاريخ 19 ماي 2025.
مقابلة مباشرة مع الأستاذ نافع العريبي يوم الخميس 29 ماي 2025.
الاطلاع على جميع الندوات الصحفية التي نظمتها هيئة الدفاع عن الأساتذة عبير موسي.