واقع النساء في تونس بين التهميش والتقتيل
يشهد المجتمع التونسي اليوم آفة خطيرة تسمى بتقتيل النساء وهو آخر حلقات سلسلة العنف المسلط على النساء. وقد دقت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات والجمعيات النسوية ناقوس الخطر منذ سنوات، لكن مازالت هذه الظاهرة في تصاعد حيث تضاعفت عدد حالات تقتيل النساء 6 مرات منذ سنة 2018 إلى حدود 2024. وفي سنة 2023 فاقت أعدد النساء 27 حالة تقتيل. ومنذ دخول سنة 2024 سجلت الجمعية 8 حالات تقتيل للنساء آخرها في منتصف شهر جوان من هذه السنة في ولاية القيروان كانت عملية بشعة لتقتيل امرأة ذات الثلاثين عاما والأم لطفلين ذبحا من الوريد إلى الوريد بعد عدة طعنات في جسدها في الطريق العام وأمام أعين المارة. كما رصدت الجمعية حالتين ترتقيان لمحاولات القتل، وذلك في نفس اليوم بتاريخ 29 جوان 2024، حيث كانت الأولى عن طريق سكب البنزين على جسد امرأة من قبل زوجها مما تسبب لها في حروق بليغة. أما الثانية فقد كانت عملية دهس بسيارة لامرأة ووالدتها من قبل طليقها، ما تسبب لهما في أضرار جسيمة.
وفي هذا الإطار تذكّر جمعة تقاطع ما دأبت عليه الدولة من لا مبالاة تجاه هذه الظاهرة وتعزيز ثقافة الإفلات من العقاب من خلال غيابها وصمتها وعدم طرحها لاستراتيجية فعّالة لمجابهة هذه الظاهرة التي أصبحت خطرا حقيقيا يهدد جميع النساء. كما تعبّر جمعية تقاطع عن مساندتها المطلقة لجميع عائلات الضحايا، وتوجه نداء لكل امرأة تشعر أنها محل تهديد بأن تقوم بجميع الإجراء ات اللازمة وأن تقوم بالتبليغ وأن تلتجأ للجمعيات النسوية والمنظمات الحقوقية من أجل الحفاظ على سلامتها الشخصية.
فبالرغم من وجود القانون عدد 58 لمناهضة العنف ضد المرأة لسنة 2017 الذي ينص على أن كل امرأة من حقها التمتع بالحماية والإحاطة اللازمة من قبل المختصين، إلا أنه أضحى حبر على ورق في ظل غياب شبه تام لأليات الدولة من أجل تطبيقه وصمتها حول تفاقم هذه الظاهرة وغياب الاستراتيجيات مكافحتها، علاوة على ما تنتهجه الدولة التونسية من سياسة عدم الاعتراف والإنكار بأن هذه الجرائم هي جرائم مبنية على النوع الاجتماعي.
وهذا ليس بمعزل عن تهاون الدولة بواقع الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وتقاطع أشكال العنف والهشاشة وعمق حالة الأزمة والاحتقان داخل المجتمع التونسي في ظل تراجع خطير لمكانة النساء ومكاسبهن الاجتماعية والسياسية فقد تراجعت تمثيلية النساء في البرلمان التونسي إلى نسبة 16%. كما تراجع أيضا تواجد النساء في المجالس المحلية إلى 9.3%. كما تتخذ الدولة منهجا قمعيا في اتهام أغلبية النساء المنخرطات في الشأن العام من عمل سياسي أو جمعياتي وإيقافهن بطريقة عبثية في المقابل تتجاهل جميع أنواع العنف المسلط عليهن من ثلب وهرسلة وحملات تشويهية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي ظل التغاضي على العنف المادي، الاجتماعي والاقتصادي فإن واقع ومصير النساء في تونس ينحصر بين العنف حد التقتيل من قبل الشريك أو تعرض النساء العاملات في القطاع الفلاحي الى حوادث قاتلة في شاحنات الموت وما تواجهنه من مصاعب في ظل عمل هش غير متساوي على صعيد ساعات العمل والأجور.
وعليه فإن جمعية “تقاطع من أجل الحقوق والحريات” تدين هذه الجرائم البشعة التي ترتقي إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية وتعبر عن تضامنها الكامل مع عائلات الضحايا وأطفالهن وتوصي ب:
-تطبيق أحكام القانون عدد 58 لسنة 2017 في مستوى الحماية والتعهد بمن هن في وضعية التهديد والخطر والالتزام بما نصت عليه المعاهدات والمواثيق الدولية والقوانين المحلية التي ترفض جميع أنواع التميز القائم على النوع الاجتماعي.
– مساءلة الدولة التونسية حول تنامي ظاهرة تقتيل النساء وتحميلها المسؤولية الكاملة في حماية كل النساء في كامل تراب الجمهورية من هذه الجرائم المتفاقمة.
– تحميل السلطة مسؤولية غياب المؤشرات الإحصائية الرسمية التي من المفروض أن يوفرها مرصد مناهضة العنف ضد المرأة بصفة آلية وأن يعمل على رصدها ونشرها لعامة التونسيات والتونسيين للغاية التوعوية وعدم إخفاء وتجنب الحقائق.
– التعامل بجدية مع العنف الاقتصادي الموجه للنساء خاصة العاملات في القطاع الفلاحي وما يتعرضن له من مخاطر عند التنقل داخل الشاحنات وما يوجهنه من عدم المساواة في الأجر وفي عدد ساعات العمل.
-تنبه من تراجع مكانة المرأة وانخراطها في الشأن العام وتراجع المكاسب التي ناضلت النساء من أجلها
– رصد الدولة لميزانية كافية وملاءمة لتوفير الحماية للنساء من أجل مكافحة العنف بكافة أشكاله والحد من ظاهرة التقتيل.
دعوة المجتمع المدني الى مزيد من الضغط على السلطات التنفيذية والقضائية عن طريق الاحتجاجات والحملات وتقديم استراتيجيات فعالة للحد من التمييز والإقصاء المبني على النوع الاجتماعي.